فصل: (سورة الشعراء: آية 111):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الشعراء: الآيات 105- 110]:

{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110)}.
القوم: مؤنثة، وتصغيرها قويمة. ونظير قوله: {الْمُرْسَلِينَ} والمراد نوح عليه السلام: قولك:
فلان يركب الدواب ويلبس البرود، وماله إلا دابة وبرد. قيل: أخوهم، لأنه كان منهم، من قول العرب: يا أخا بنى تميم، يريدون: يا واحدا منهم. ومنه بيت الحماسة:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم ** في النّائبات على ما قال برهانا

كان أمينا فيهم مشهورا بالأمانة، كمحمد صلى اللّه عليه وسلم في قريش {وَأَطِيعُونِ} في نصحى لكم وفيما أدعوكم إليه من الحق عَلَيْهِ على هذا الأمر، وعلى ما أنا فيه، يعنى: دعاءه ونصحه ومعنى {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}: فاتقوا اللّه في طاعتي، وكرره ليؤكده عليهم ويقرّره في نفوسهم، مع تعليق كل واحدة منهما بعلة، جعل علة الأوّل كونه أمينا فيما بينهم، وفي الثاني حسم طمعه عنهم.

.[سورة الشعراء: آية 111]:

{قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)}.
وقرئ: وأتباعك، جمع تابع، كشاهد وأشهاد. أو جمع تبع، كبطل وأبطال. والواو للحال. وحقها أن يضمر بعدها قد في: واتبعك. وقد جمع الأرذل على الصحة وعلى التكسير في قوله: {الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا} والرذالة والنذالة: الخسة والدناءة. وإنما استرذلوهم لا تضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا. وقيل كانوا من أهل الصناعات الدنية كالحياكة والحجامة. والصناعة لا تزري بالديانة، وهكذا كانت قريش تقول في أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وما زالت أتباع الأنبياء كذلك، حتى صارت من سماتهم وأماراتهم. ألا ترى إلى هرقل حين سأل أبا سفيان عن أتباع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما قال: ضعفاء الناس وأراذلهم قال: ما زالت أتباع الأنبياء كذلك. وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: هم الغاغة.
وعن عكرمة: الحاكة والأساكفة. وعن مقاتل: السفلة.

.[سورة الشعراء: الآيات 112- 115]:

{قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (115)}.
{وَما عِلْمِي} وأى شيء علمى؟ والمراد: انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم للّه واطلاعه على سر أمرهم وباطنه. وإنما قال هذا لأنهم قد طعنوا- مع استرذالهم- في إيمانهم، وأنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة، وإنما آمنوا هوى وبديهة، كما حكى اللّه عنهم في قوله: {الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ} ويجوز أن يتغابى لهم نوح عليه السلام. فيفسر قولهم الأرذلين، بما هو الرذالة عنده، من سوء الأعمال وفساد العقائد، ولا يلتفت إلى ما هو الرذالة عندهم، ثم يبنى جوابه على ذلك فيقول: ما علىّ إلا اعتبار الظواهر، دون التفتيش عن أسرارهم والشق عن قلوبهم، وإن كان لهم عمل سيئ، فاللّه محاسبهم ومجازيهم عليه، وما أنا إلا منذر لا محاسب ولا مجاز {لَوْ تَشْعُرُونَ} ذلك، ولكنكم تجهلون فتنساقون مع الجهل حيث سيركم، وقصد بذلك ردّ اعتقادهم وإنكار أن يسمى المؤمن رذلا، وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسبا، فإن الغنى غنى الدين، والنسب نسب التقوى {وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} يريد ليس من شأنى أن أتبع شهواتكم وأطيب نفوسكم بطرد المؤمنين الذين صح إيمانهم طمعا في إيمانكم وما علىّ إلا أن أنذركم إنذارا بينا بالبرهان الصحيح الذي يتميز به الحق من الباطل، ثم أنتم أعلم بشأنكم.

.[سورة الشعراء: الآيات 116- 122]:

{قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)}.
ليس هذا بإخبار بالتكذيب، لعلمه أن عالم الغيب والشهادة أعلم، ولكنه أراد أنى لا أدعوك عليهم لما غاظونى وآذوني، وإنما أدعوك لأجلك ولأجل دينك، ولأنهم كذبوني في وحيك ورسالتك، فاحكم {بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ} والفتاحة: الحكومة. والفتاح: الحاكم، لأنه يفتح المستغلق كما سمى فيصلا، لأنه يفصل بين الخصومات. الفلك: السفينة، وجمعه فلك: قال اللّه تعالى: {وترى الفلك فيه مواخر} فالواحد بوزن قفل، والجمع بوزن أسد، كسروا فعلا على فعل، كما كسروا فعلا على فعل، لأنهما أخوان في قولك: العرب والعرب، والرشد والرشد. فقالوا: أسد وأسد، وفلك وفلك. ونظيره: بعير هجان، وإبل هجان. ودرع دلاص. ودروع دلاص، فالواحد بوزن كناز، والجمع بوزن كرام. والمشحون: المملوء. يقال: شحنها عليهم خيلا ورجالا. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى {وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون} أي يتبعكم فرعون وقومه ليحولوا بينكم وبين الخروج، قيل: أوحى الله إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل، كل أهل أربعة أبيات في بيت ثم اذبحوا أولاد الضأن فاضربوا بدمائها على أبوابكم فإني سآمر الملائكة فتقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وآمرهم أن لا يدخلوا بيتًا على بابه دم، ثم اخبزوا فطيرًا فإنه أسرع لكم ثم اسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر، فيأتيك أمري ففعل ذلك موسى، ثم إن قوم موسى قالوا لقوم فرعون إن لنا في هذه الليلة عيدًا فاستعاروا منهم حليهم، ثم خرجوا بتلك الأموال في الليل إلى جهة البحر فلما سمع فرعون ذلك، قال: هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا في أنفسنا وأخذوا أموالنا {فأرسل فرعون في المدائن حاشرين} يعني الشرط يحشرون الجيش قيل: كانت المدائن ألف مدينة واثني عشر ألف قرية، فأرسل فرعون في أثر موسى وقومه ألف ألف وخمسمائة ألف، وخرج فرعون في الكرسي العظيم في مائتي ألف ملك مسورين مع كل ملك ألف فلذلك قال: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} قال أهل التفسير كانت الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف مقاتل، لم يعدوا دون العشرين وفوق الستين سنة وقال ابن مسعود كانت ستمائة ألف وسبعين ألفًا، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون.
{وإنهم لنا لغائظون} الغيظ الغضب يعني أنهم أغضبونا بمخالفتهم فينا وقتلهم أبكارنا وذهابهم بأموالنا التي استعاروها، وخروجهم من أرضنا بغير إذن منا {وإنا لجميع حاذرون} أي خائفون من شرهم وقرئ حذرون، أي ذوو قوة وأداة شاكوا السلاح وقيل الحاذر الذي يحذرك الآن بالتحقيق من المتلبس بحمل السلاح، والحذر الذي لا تلقاه إلا خائفًا {فأخرجناهم من جنات وعيون} قيل: كانت البساتين ممتدة في حافتي النيل فيها عيون وأنهار جارية {وكنوز} يعني الأموال الظاهرة من الذهب والفضة، وسماها كنوزًا لأنه لم يؤد حق الله منها وكل مال لم يعط، ولم يؤد حق الله منه فهو كنز وإن كان ظاهرًا قيل كان لفرعون ثمانمائة ألف غلام كل غلام على فرس عتيق، في عنق كل فرس طوق من ذهب قال الله تعالى {ومقام كريم} أي مجلس حسن قيل: أراد مجالس الأمراء والرؤساء التي كانت لهم وقيل إنه كان إذا قعد على سريره وضع بين يديه ثلاثمائة كرسي من ذهب يجلس عليها الأشراف من قومه والأمراء وعليهم أقبية الديباج مخوصة بالذهب والمعنى أنا أخرجناهم من بساتينهم التي فيها العيون وأموالهم ومجالسهم الحسنة {كذلك} أي كما وصفنا {وأورثناها بني إسرائيل} وذلك أن الله رد بني إسرائيل إلى مصر بعد هلاك فرعون، وقومه فأعطاهم جميع ما كان لفرعون، وقومه من الأموال والأماكن الحسنة {فأتبعوهم مشرقين} أي لحق فرعون وقومه موسى، وأصحابه وقت شروق الشمس وهو إضاءتها {فلما تراءى الجمعان} يعني تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه {قال أصحاب موسى إنا لمدركون} أي سيدركنا فرعون وقومه ولا طاقة لنا بهم.
{قال} أي موسى لثقته وعد الله تعالى إياه {كلا} أي لن يدركونا {إن معي ربي سيهدين} يعني يدلني على طريق النجاة {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} أي فضربه فانشق {فكان كل فرق} أي قطعة من الماء {كالطود} أي الجبل {العظيم} قيل لما انتهى موسى ومن معه إلى البحر هاجت الرياح فصار البحر يرمي بموج كالجبال، قال يوشع: يا كليم الله أين أمرت فقد غشينا فرعون من خلفنا، والبحر أمامنا قال موسى، ها هنا فخاض يوشع الماء لا يواري حافر دابته، وقال: الذي يكتم إيمانه يا كليم الله أين أمرت قال: ها هنا فكبح فرسه فصكه بلجامه حتى طار الزبد من شدقه، ثم أقحمه البحر فارتسب في الماء وذهب القوم يصنعون مثل ذلك فلم يقدروا فجعل موسى لا يدري كيف يصنع فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق، فإذا الرجل واقف على فرسه لم يبتل سرجه ولا لبده {وأزلفنا ثم الآخرين} يعني قربنا فرعون وجنوده إلى البحر وقدمناهم إلى الهلاك وقيل إن جبريل كان بين بني إسرائيل، وبين قوم فرعون يقول لبني إسرائيل ليلحق آخركم أولكم، ويقول للقبط رويدًا ليلحق آخركم أولكم، فكان بنو إسرائيل يقولون ما رأينا أحسن سياقة من هذا الرجل، وكان قوم فرعون يقولون ما رأينا أحسن دعة من هذا الرجل {وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين} يعني أنه تعالى جعل البحر يبسًا حتى خرج موسى وقومه، منه وأغرق فرعون وقومه، وذلك أنهم لما تكاملوا في البحر انطبق عليهم فأغرقهم {إن في ذلك لآية} يعني ما حدث في البحر من انفلاقه آية من الآيات العظام الدالة على قدرته ومعجزة لموسى عليه السلام {وما كان أكثرهم مؤمنين} يعني أهل مصر قيل: لم يؤمن منهم إلا آسية امرأة فرعون، وحزقيل مؤمن آل فرعون، ومريم ابنة مامويا التي دلت على قبر يوسف حين أخرجه موسى من البحر {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} قوله تعالى {واتل عليه نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون} يعني أي شيء تعبدون وإنما قال إبراهيم ذلك مع علمه بأنهم عبدة لأصنام، ليريهم أن ما يعبدونه ليس من استحقاق العبادة في شيء {قالوا نعبد أصنامًا فنظل لها عاكفين} يعني نقيم على عبادتها وإنما قالوا: نظل لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل {قال هل يسمعونكم} يعني يسمعون دعاءكم {إذ تدعون أو ينفعونكم} يعني بالرزق {أو يضرون} يعني إن تركتم عبادتهم وإذا كان كذلك، فكيف يستحقون العبادة؟ فلما لزمتهم الحجة القاطعة {قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} المعنى أنها لا تسمع قولًا ولا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًا ولكن أقتدينا بآبائنا في ذلك، وفي الآية دليل على إبطال التقليد في الدين وذمه ومدح الأخذ بالاستدلال {قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون} أي الأولون {فإنهم عدو لي} أي أعداء لي وإنما وحده على إرادة الجنس.
فإن قلت: كيف وصف الأصنام بالعداوة؟ وهي جمادات لا تعقل.
قلت: معناه فإنهم عدو لي يوم القيامة لو عبدتهم في الدنيا وقيل: إن الكفار لما عبدوها ونزلوها منزلة الأحياء العقلاء أطلق إبراهيم لفظ العداوة عليها وقيل: هو من المقلوب أراد فإني عدو لهم لأن من عاديته فقد عاداك {إلا رب العالمين} أي ولكن رب العالمين، فإنه ربي وولي وقيل إنهم كانوا يبعدون الأصنام مع الله تعالى فقال إبراهيم كل ما تعبدون أعداء لي إلا رب العالمين ثم وصف معبوده الذي يستحق العبادة فقال: {الذي خلقني فهو يهدين} إلى طريق النجاة {والذي هو يطعمني ويسقين} أي يرزقني ويغذيني بالطعام والشراب {وإذا مرضت} أصابني مرض أضاف المرض إلى نفسه استعمالًا للأدب وإن كان المرض والشفاء من الله {فهو يشفين} أي يبرئني ويعافيني من المرض {والذي يميتني ثم يحيين} أي يميتني في الدنيا ثم يحييني في الآخرة.
{والذي أطمع} أي أرجو {أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} أي يوم الجزاء والحساب قيل: خطيئته كذباته الثلاث وتقدم الكلام عليها م عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين أكان ذلك نافعا له؟ قال «لا ينفعه إنه لم يقل يومًا رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» وهذا كله احتجاج من إبراهيم على قومه، أنه لا يصلح للإلهية إلا من يفعل هذه الأفعال {رب هب لي حكمًا} قال ابن عباس: معرفة حدود الله وأحكامه وقيل: العلم والفهم {وألحقني بالصالحين} أي بمن سلف قبلي من الأنبياء في المنزلة والدرجة العالية {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} أي ثناءً حسنًا وذكرًا جميلًا وقبولًا عامًا في الأمم التي تجيء بعدي، فأعطاه الله ذلك وجعل كل الأديان يتولونه، ويثنون عليه {واجعلني من ورثة جنة النعيم} أي ممن تعطيه جنة النعيم لأنها السعادة الكبرى {واغفر لأبي إنه كان من الضالين} قيل دعا لأبيه على رجاء أن يسلم فيغفر له فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه {ولا تخزني} ولا تفضحني {يوم يبعثون} وهو يوم القيامة {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من آتى الله بقلب سليم} أي خالص من الشرك والشك فأما الذنوب فلا يسلم منها أحد قال سعيد بن المسيب القلب السليم هو الصحيح وهو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض وقيل: القلب السليم هو الخالي من البدعة المطمئن إلى السنة {وأزلفت الجنة} أي قربت {للمتقين وبرزت الجحيم} أي أظهرت {للغاوين} أي للكافرين {وقيل لهم} يعني يوم القيامة {أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم} أي يمنعونكم من عذاب الله {أو ينتصرون} لأنفسهم {فكبكبوا} قال ابن عباس جمعوا وقيل قذفوا وطرحوا بعضهم على بعض وقيل: ألقوا على رءوسهم {فيها} أي في جهنم {هم والغاوون} يعني الآلهة والعابدين وقيل: الجن والكافرين {وجنود إبليس أجمعون} يعني أتابعه ومن أطاعه من الإنس والجن وقيل ذريته {قالوا وهم فيها يختصمون} يعني العابدين والمعبودين {تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم} أي نعدلكم {برب العالمين} فنعبدكم {وما أضلنا} يعني دعانا إلى الضلال {إلا المجرمون} يعني من دعاهم إلى عبادة الأصنام من الجن والإنس، وقيل: الأولون الذي اقتدينا بهم وقيل يعني إبليس وابن آدم من دعاهم إلى عبادة الأصنام من الجن والإنس، وقيل: الأولون الذي اقتدينا بهم وقيل يعني إبليس وابن آدم الأول وهو قابيل، وهو أو من سن القتل وأنواع المعاصي {فما لنا من شافعين} يعني من يشفع لنا يعني كما أن للمؤمنين شافعين من الملائكة والأنبياء {ولا صديق حميم} أي قريب يشفع لنا، يقول ذلك الكفار حين يشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، والصديق هو الصادق في المودة مع موافقة الدين عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول: «إن الرجل يقول في الجنة ما فعل بصديقي فلان وصديقه في الجحيم، فيقول الله أخرجوا له صديقه إلى الجنة، فيقول من بقي فما لنا من شافعين ولا صديق حميم» رواه البغوي بإسناد الثعلبي.
وقال الحسن: استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة {فلو أن لنا كرة} أي رجعة إلى الدنيا {فنكون من المؤمنين} أي أنهم تمنوا الرجعة حين لا رجعة لهم.
{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} أي مع هذه الدلائل والآيات {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} أي المنتقم الذي لا يغالب وهو في وصف عزته رحيم.
قوله: {كذب قوم نوح المرسلين} اي كذبت جماعة قوم نوح، قيل: القوم مؤنثة وتصغيرها قويمة.
فإن قلت: كيف قال المرسلين وإنما هو رسول واحد وكذلك باقي القصص.
قلت: لأن دين الرسل واحد وإن الآخر منهم جاء بما جاء به الأول فمن كذب واحد من الأنبياء فقد كذب جميعهم {إذ قال لهم أخوهم نوح} أي أخوهم في النسب لا في الدين {ألا تتقون} أي ألا تخافون فتتركوا الكفر والمعاصي {إني لكم رسول أمين} أي على الوحي، وكان معروفًا عندهم بالأمانة {فاتقوا الله} أي بطاعته وعبادته {وأطيعون} أي فيما أمرتكم به من الإيمان والتوحيد {وما أسألكم عليه من أجر} أي من جعل وجزاء {إن أجري} أي ثوابي {إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعون} قيل: كرره ليؤكده عليهم ويقرره في نفوسهم وقيل ليس فيه تكرار معنى الأول ألا تتقون الله في مخالفتي وأنا رسول الله ومعنى الثاني ألا تتقون الله في مخالفتي وإني لست آخذ منكم أجرًا {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} أي السفلة قال ابن عباس: يعني القافة وقيل هم الحاكة والأساكفة {قال} يعني نوحًا {وما علمي بما كانوا يعملون} أي وما أعلم أعمالهم وصنائعهم، وليس علي من دناءة مكاسبهم وأحوالهم شيء إنما كلفت أن أدعوهم إلى الله تعالى، وما لي إلا ظواهر أمرهم وقال الزجاج الصناعات لا تضر في الديانات وقيل: معناه إني لم أعلم أن الله يهديهم ويضلكم ويوفقهم ويخذلهم {إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون} أي لو تعلمون ذلك ما عيرتموهم بصنائعهم {وما أنا بطارد المؤمنين} أي عني وقد آمنوا {إن أنا إلا نذير مبين} معناه أخوف من كذبني فمن آمن فهو القريب مني ومن لم يؤمن فهو البعيد عني {قالوا لئن لم تنته يا نوح} أي عما تقول {لتكونن من المرجومين} أي من المقتولين بالحجارة وهو أسوأ القتل وقيل من المشتومين {قال رب إن قومي كذبون فافتح} أي احكم {بيني وبينهم فتحًا} أي حكمًا {ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون} أي الموقر المملوء من الناس والطير والحيوان {ثم أغرقنا بعد الباقين} أي بعد إنجاء نوح ومن معه {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم}. اهـ.